أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - لكم دينكم ! إلى فضيلة الدكتور أحمد الريسوني















المزيد.....

لكم دينكم ! إلى فضيلة الدكتور أحمد الريسوني


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 2119 - 2007 / 12 / 4 - 10:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يعجبني السيد أحمد الريسوني لأنه يقول جهارا ما تضمره النفوس و تخفيه السرائر، فمقالاته في جريدة المساء خلال شهر رمضان المنصرم، و كذا بعض "فتاواه" التي نشرها مؤخّرا، أظهرت بقدر كبير محدودية الطرح الإجتهادي لدى الإسلاميين و نسبية استعدادهم لقراءة الإسلام و فهمه خارج التراث الفقهي التقليدي، و هو ما يبرز بالتالي أزمة الفكر الإسلامي المعاصر بين النظرية و التطبيق، و عجزه عن التخلّص من جبّة السلفية التي أوقعته في مطبّات و مزالق لا حصر لها، و جعلته يعيش على هامش الواقع و التاريخ، و حتى لا نخوض في تفاصيل كثيرة نكتفي بمقاله المتعلّق بـ"الحدود" و تطبيقها، و هو المقال الذي أثار دهشة الكثيرين الذين لم يكونوا يتصوّرون أنه من الممكن بعد كلّ الخطوات المتعثرة التي قطعناها في درب التحديث و الدمقرطة الطويل، أن يوجد من يدعو إلى العودة إلى بعث مجتمع بائد نعيش معه طلاقا يوميا و إن بالتدريج، و نغادره إلى غير رجعة.
لقد اشتكى السيد الريسوني في مستهل مقاله من غلواء العلمانيين الذين يحاصرون "العلماء" و يغصبونهم حقّهم في التعبير عن رأيهم و قول كلمتهم في تسيير الشأن العام، و غاب عنه أن النقد القوي الذي يتعرّض له العلماء منذ قرن كامل ـ و هو نقد ضروري ـ يرجع أساسا إلى أسلوبهم في التفكير، و إصرارهم على تجاهل التحولات الجارية من حولهم، و على خدمة النص عوض خدمة الإنسان في حاجاته الأساسية، إنهم أشبه بمن فاته موعد القطار فظل يهجو القطار عوض الإعتراف بتأخّره عن الموعد. و كان مثيرا للإستغراب أن يعلن الكاتب بأنه يخوض في موضوع "الحدود" دفاعا عن حرية التعبير و الإعتقاد (كذا) دون أن ينتبه إلى أن الحق في حرية التعبير و الإعتقاد لا يشمل الدعوة إلى المس بحقوق الغير، لأن حرية كل واحد تحدّها حرية الآخر، فالدعوة باسم الحرية إلى سن قوانين سالبة لأبسط الحقوق هو تناقض لا يمكن للعقل السلفي أن ينتبه إليه، و حتّى يتضح ذلك أكثر نصوغ دعوى السيد الريسوني كما يلي: "إنني أطالب لنفسي بحقّي الكامل في التعبير عن رأيي بحرية حتى أتمكن من المطالبة بسن قوانين تسلب غيري حقوقه الأساسية و حريته في الإعتقاد و التعبير". و أعتقد أنه لا جدوى من أن نسعى إلى إقناع السيد الريسوني و أتباعه بأن للعقوبات الجسدية الوحشية التي سادت آلاف السنين قبل الإسلام لدى الجماعات و الدول الوثنية في الشرق القديم، و المتمثلة في بتر الأيدي و الأرجل و الجلد و الرجم بالحجارة حتّى الموت و قطع الرأس إلخ.. و التي استمر العمل بها في عدد من البلدان إلى حدود مطلع القرن العشرين، تعتبر في عالم اليوم مسا بالحقوق الأساسية للكائن البشري و منها الحقّ في السلامة الجسدية، و الحق في الحياة و الحق في الإعتقاد. بهذا المعنى فالسارق مجرم ينبذه المجتمع لكن ليس لدرجة الإنتقام الوحشي منه ببتر عضو من أعضاء جسمه، بل بمعاقبته بالعزل و الإصلاح، ( في كتاب التربية الإسلامية المقرر للباكالوريا حديث يحث على قطع يد من قطف "أترجة" أي فاكهة قد لا تساوي درهما واحدا). و حتى يبرّر السيد الريسوني تطبيق حدّ قطع اليد وقع في بهلوانيات لفظية مضحكة: فعنده أنّ إقامة الحد على السارق "رحمة" للعالمين لأنه يصون المجتمع و يحفظه من شر السارق، و هو أيضا رحمة بعائلة السارق التي عوض أن تشقى بزيارته في السجن كل مرّة لإمداده بحاجياته، و عوض أن تحرم من دخله و عمله، فالشرع يعفيها من ذلك بأن يبعث لها إبنها السارق إلى المنزل بيد واحدة، و لست أدري ما هو الدخل و العمل الذي يمكن أن يضمنهما شخص معاق بُترت يده اليمنى، فـ "الرحمة" هنا واضحة، و على عائلة السارق أن تفرح و تبتهج لأن ابنها لم يسجن ثلاثة أشهر ليصلح أو تزداد عقوبته في حال العود، بل أصبح غير صالح لشيء سوى التسوّل في الشوارع، و من "الرحمة" أن يصبح لدينا مجتمع يضمّ عددا هاما من المعاقين و المشوهين بهذا الشكل طالما يستحيل وقف السرقة بغير اجتثاث أسباب الفقر و الحرمان و الفوارق الطبقية الفاحشة. و لقد كان الدكتور الريسوني رؤوفا بالسلطة و بالمال العام، عندما اعتبر السجن إنفاقا غير مبرر على المجرمين، و هو بذلك لا ينتبه إلى أن المؤسسة التي يتحدّث عنها هي نتاج تطور طويل المدى لمفهوم الإنسان و قيمته، و نتاج مسلسل من التحولات التي طالت الوعي و الممارسة معا، و لهذا كان أمرا مقبولا لديه العودة إلى أساليب العقوبات الجسدية التي كانت تعتمد في العصور القديمة، لأنه لا يعيش أصلا السياق المعاصر، و هذه مشكلة من يسمون عموما في بلاد المسلمين "علماء" ، إذ عليهم قبل كل شيء أن يبذلوا جهودا كبيرة لمعرفة عصرهم و الإنتماء إليه، قبل القيام بإسقاط ماضي الإنسان على حاضره باسم الدين، دون اعتبار لتاريخ الإنسان.
ليست هذه إلا قطرة من بحر الفكر المقاصدي الحكيم و العقل الفقهي المجتهد، و غيض من فيض "الإنفتاح" و "الإعتدال" و "التنوير" الذي وعدنا به تيار السيد الريسوني. و إذا أضفنا إليه الإعتراض على المساواة بين الجنسين و تحريم التعامل مع الأبناك و تحريم تشخيص الصحابة في أدوار درامية إلخ.. تكتمل صورة المغرب الذي يطلبه السيد الريسوني و أتباعه.
ما الذي أوقع الكاتب في مثل هذه المواقف الحرجة ؟ إنه الخوف من الإجتهاد الفعلي بعد الذي جرى و يجري للفقهاء المجتهدين من ذوي الجرأة في قول الحقّ، حيث ما أن يفتح فقيه كوة صغيرة في عقله على نور الواقع و هوائه حتى يسارع جحافل من فقهاء التزمت إلى الردّ عليه و ثنيه عن عزمه و إعادته إلى التقليد خوفا على "ما هو معلوم من الدين بالضرورة"، مما يجعل من الصعب إنجاز الخطوة الحاسمة في اتجاه التحرّر من ضوابط الفكر التراثي و كوابحه، و بناء فقه جديد للعصر الذي نحن فيه.
نخلص من هذا كله إلى ما يلي :
ـ أنّ ما يلاحظ على هذا العقل الفقهي السلفي قساوته و انعدام الحسّ الإنساني لديه، فهو يتحدّث عن دين الرحمة و التسامح، و لكنه في مواقفه و فتاواه لا يتوقّف عن تكريس أسوأ القراءات، و التي هي كفيلة في حالة تطبيقها بإحداث فتنة خطيرة في المجتمع. و يرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى أنّ النص الديني لدى هذا التيار يحظى بالأولوية المطلقة على الواقع و الإنسان.
ـ أنّ منظومة القيم التي تتوق إليها و تتجه نحوها كل دول العالم بوصفها آخر ما وصلت إليه البشرية من مكاسب، هي منظومة تقوم أساسا على حقوق المواطن بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لونه أو لغته أو أصله أو فصله، منظومة المساواة التامة التي لا تسمح لأي طرف باضطهاد طرف آخر باستعمال العقيدة أو النسب أو غيرهما، و معلوم أن هذا ما جعل الدول المتقدّمة تنتقل من الحروب الأهلية و الإقتتال الطائفي إلى السلم الإجتماعي و الرقي الحضاري .
ـ أن قيم المواطنة التي هي قيم حديثة لا يمكن استيعابها في إطار منظومة الفكر التراثي القائمة على قيم وضعت في سياق تاريخي مخالف كليا، مما يستوجب إيجاد السياق الوطني للوعي بقيم الحداثة عوض تربية الأجيال على مبادئ متصادمة مع واقعهم و عصرهم، لأنّ غاية ما يؤدّي إليه ذلك هو تكريس النزعة الإنتحارية و ثقافة الأحزمة الناسفة.
ـ أن موضوع الحدود بجانب شرعيات الرق و العبودية و ما ملكت أيمانكم و قانون توزيع الغنيمة بعد الحرب و نظام القوامة الحريمي و كثير من الأحكام الأخرى تدخل اليوم ضمن "التراث الميت" الذي تفككت البنيات الإجتماعية الحاضنة له و كذا ذهنية الإشتغال به، و لذا يستحيل على البشرية العودة إليه أو حتى استلهامه.
ـ أن الدول التي ما زالت تعتمد تطبيق العقوبات الجسدية القديمة مدانة دوليا، و عليها ضغوط من المنتظم الدولي و القوى الحقوقية العالمية و من قوى الضغط الداخلي إلى أن تعود عن تلك الممارسات الحاطّة بالكرامة، و تنضبط للمعايير الكونية لاحترام حقوق المواطنة كما هي متعارف عليها عالميا.
ـ أن الإجتهاد الفعلي لا يكون بإلقاء الدروس النظرية في مقاصد الشريعة أو في مناهج الإجتهاد، بل يتحقّق في إنجاز الخطوة الحاسمة في ردم الهوة بين الإسلام و العصر عبر نزع عباءة السلفية و إعمال العقل في سبيل المصلحة.
ـ أنّ الذين يسمون "علماء" هم بحاجة إلى تكوين في الديانات الأخرى و في العلوم الإنسانية و مختلف علوم العصر و قيمه و حضارته، حتى يتمّ انتشالهم من براثن التراث الفقهي القديم و إكسابهم نظرة أكثر شمولية و انفتاحا، ذلك أن تلقّيهم لتكوين أحادي في العلوم الشرعية الإسلامية يجعلهم ينظرون إلى العالم من منظور ضيق، كما أنّ ذلك لا يسمح لهم بأخذ العبرة مما جرى للفقهاء خلال القرن العشرين، حيث يئس الناس من اجتهادهم الذي يأتي و لا يأتي، فانصرفوا إلى تدبير شؤون حياتهم بالقانون الوضعي متجاهلين أي نقاش ديني.
ـ أن ما يبدو من الخبط العشوائي للعديد من المختصّين في شؤون الدين و خاصة منهم المؤطّرون إيديولوجيا في تنظيمات الإسلام السياسي هو أن ما يحرك فتاواهم هو معاكسة الغرب و العالم المتقدّم، فلكي يمرّر السيد الريسوني و يسوّغ بتر الأيدي و الرجم بالحجارة، اعتبر أن هذه الأحكام أقل وحشية مما تقوم به أمريكا في العراق و غيره من البلدان، و هو منطق غريب و مقلوب، حيث ينعدم القياس بسبب وجود الفارق في السياق و الموضوع.
ـ أنّ مآل أي دين لا ينتبه أهله إلى ضرورات الوقت و حقيقة السياق الذي يعيشون فيه و نسبية المصالح و تغيرها، هو دين مصيره أن يصبح مهجورا و لو اكتظّت بأتباعه المساجد و المعابد، و تدافعوا فيها بالمناكب، و سوف لن يكون مسؤولا عن ذلك الدين نفسه بل أهله من ذوي النزوع السلفي الجامد.
ـ لم يشر السيد الريسوني إلى ما يسمى "حد الردّة"، و لست أدري إن كان قد سقط سهوا من لائحة حدوده أم أنه قد أسقطه عمدا، و في الحالة الثانية كان عليه توضيح ذلك للقراء، و لأصدقائه من مؤلفي كتب التربية الإسلامية الذين دعوا إلى قطع رأس ليس فقط من "بدّل دينه"، بل من لا يؤدّي الشعائر الدينية أيضا، و اعتبروا ذلك "حكما عادلا".
لسنا ضدّ أن يكون السيد الريسوني و أمثاله أحرارا في التعبير عن مواقفهم و أفكارهم مثل غيرهم من المواطنين، و أن يطلعوا الناس على ما أوصلهم إليه جهدهم في البحث و التفسير و الفهم و التأويل، لكننا لا نقبل أبدا أن ينظروا إلينا كما لو أننا فئران تجارب لفتاواهم، فالمجتمع و الدولة المغربيان قد بلغا نقطة اللاعودة في طريق التحديث و الدمقرطة و الحقوق، و في حالة ما إذا أصرّوا على تقسيم الناس إلى "فسطاط الكفر" و "فسطاط الإيمان"، فسنكون في هذه الحالة ملزمين بأن نقول لهم : لكم دينكم، اعملوا به فيما بينكم حتى نرى أثره عليكم ! و في انتظار أن تترسّخ أسس البناء الديمقراطي في النفوس و الأذهان و المؤسسات، يمكننا أن نتحمّل شغب العقل السلفي و أخطاءه إلى أن يتعب و يتقاعد.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلطات الملك بين الظرفي و الإستراتيجي
- -فتنة الحنابلة- بين الأمس و اليوم
- الأمازيغية و التعديل الدستوري بالمغرب
- حكومة حزب الاستقلال ( بالمغرب ) ، هل يعيد التاريخ نفسه ؟
- صورة الإسلام بين محاضرة البابا وأفعال المسلمين
- العرب وتغيير الثقافة


المزيد.....




- كاتب يهودي يسخر من تصوير ترامب ولايته الرئاسية المقبلة بأنها ...
- المقاومة الإسلامية: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات وهدفا حيويا ...
- “ثبتها فورًا للعيال” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد لمتابعة ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات ...
- متى موعد عيد الأضحى 2024/1445؟ وكم عدد أيام الإجازة في الدول ...
- تصريحات جديدة لقائد حرس الثورة الاسلامية حول عملية -الوعد ال ...
- أبرز سيناتور يهودي بالكونغرس يطالب بمعاقبة طلاب جامعة كولومب ...
- هجوم -حارق- على أقدم معبد يهودي في بولندا
- مع بدء الانتخابات.. المسلمون في المدينة المقدسة بالهند قلقون ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - لكم دينكم ! إلى فضيلة الدكتور أحمد الريسوني